لقد حصلت على أول وظيفة لي عندما كنت في السادسة من عمري. كان ذلك بعد ظهر يوم مشمس بينما كان الجميع يقودون دراجاتهم الهوائية على الشواطئ الشرقية لمدينة كندا، كنت أنا أقف مهملا على نافذة منزلنا أسال نفسي ” لما لم يجلب لي والدي واحدةً في العيد”.
شعرت في تلك اللحظة بأنه يجب علي القيام بأي شيء، ذهبت مسرعاً إلى أمي لأطلب منها الحصول على دراجة كباقي الأطفال، ولكنها سرعان ماأرسلتني إلىأبي الذي كان من الصعب التحدث إليهأو حتى مناقشته فأدركت حينها بأنه ليس أماميأي خيار وفضلت أن لا ازعج نفسي بالمحاولة.
كأي طفل، لم أكنأهتم أبداُ بقيمة النقود، ولكنّ مثل هذا الموقف جعلني أفكر ملياً بطريقة أحصل فيها على نقود تمكنني من شراء الدراجة. في تلك اللحظة،قُرع جرس الباب، وإذا بفتاتين صغيرتين تقومان ببيع البسكويت، دولار واحد للقطعة الواحدة. كل ما خطر ببالي حينهابأن مئة قطعة من البسكويت ستمكنني من شراء الدراجة.
اغتنمت فرصة ضوء الشمس، وقمت بوضع طاولة صغيرة أمام المنزل وبدأت ببيع عصير الليمون البارد، خمسون سنتا للكوب الواحد.بقيت على هذا الحال مدة أسبوع كامل وقام والداي بتشجيعي بل وكانوا أكثر زبائني إلى أن حصلت على المال وقمت بشراء الدراجة التي تمنيتها.
بعد عشرين عاما، بدأت أنظر إلى الفرق بين مجتمعنا العربي وبين المجتمع الغربي لأدرك بأننا، في معظم الدول الخليجية، نعتمد على عائلانتا حتى الزواج بل وأحيانا بعد ذلك، بينما يستقل الفرد الغربي بذاته ويعتمد على نفسه فور وصوله إلى الثانوية.
من وجهة نظري، أنا أرى أن هذا الفرق يؤثر على اقتصادنا بشكل واضح ويترتب على ذلك حدوث فجوة كبيرة بين قطاع التعليم وسوق العمل. أغلبية أصحاب العمل يدركون حقيقة أن حديثي التخرج يفتقرون إلى المهارة العالية وبالتالي خبرة محدودة في العمل نفسه حتى لو كان مجرد بيع للبسكويت أو العناية بالحديقة أو حتى تحضير البرغر.
تبين في أحدث دراسة أُجريتبأن20% فقط من السعوديين منيملكون منازل خاصة بهم بينما يعيش الأغلبية في منازل مستأجرة وبرأيي فإن هذا يعود إلى اعتماد الكثيرين على والديهم.
آمالنا في دخول الجامعة، الحصول على نفوذ آباءنا، شراء سيارات أو تأمين مصاريف الزواج كل هذا لا يعد مؤشرا ايجابيا لحياة مكتفية بعد الزواج. يجب علينا أن نعتمد على أنفسنا بعمر صغير وأن نستقل مادياًبالمرحلة الجامعية.مثلا، الطلاب هنا في السعودية لا يملكون حسابات بنكية كطلاب الغرب فهم يقومون بذلك بعد تأمين أول وظيفة لهم بعد الجامعة وبالتالي لن يحصلوا على فرصة إدارة مصاريفهم الشخصية في مرحلة مبكرة من العمرومن المعروف بأن أية مشاكل مالية ستحصل في مرحلة مبكرة سيكون اجتيازها أسهل من مرحلة ما بعد الزواج.
أنا فخور الآن لأن الجامعات بدأت باتخاذ الخطوة الأولى في تقليص الفجوة بين قطاع التعليم وسوق العمل. فسابقاًكانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وكلية إدارة الأعمال بجدة هم فقط من يسمحون لطلابهم بعقدبرامج تدريبيةمع القطاع الخاص أما الآن فقد أصبحت أغلب الجامعات تقوم بتقديم برامج تدريبية فعالة لطلابها لمدة تتراوح ما بين 4- 7 أشهر.
أخيرا أتمنى من ال 200,000 طالبا الذين يدرسون في الخارج بأن يقوموا بالاهتمام بالتعليم المجتمعي إلى جانب التعليم الجامعي. إنه ليس من المحرج أبداً بيع البسكويت والليمون أو تحضير البرغر، علينا جميعا أن نبدأ من الصفر حتى نكون واقعيين ونقوم بتحقيق ذاتنا.
أضف تعليقك